"واشنطن بوست": قانون التوعية بمعاداة السامية يهدد حرية التعبير الأكاديمية
"واشنطن بوست": قانون التوعية بمعاداة السامية يهدد حرية التعبير الأكاديمية
أثار قانون التوعية بمعاداة السامية جدلاً واسعاً حول تأثيره على الحرية السياسية والتعبير في الولايات المتحدة، حيث يعكس هذا التشريع المستجد تزايد تدخل الحكومة الفيدرالية في قضايا مرتبطة بالتمييز السياسي والفكري، ما قد يؤدي إلى تقييد الحريات الفردية.
يقول الكاتب الأمريكي جيسون ويليك، في مقال للرأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، اليوم السبت: يطرح هذا القانون تساؤلات حول استخدام الحكومة للقوانين التي تهدف لمكافحة التمييز كوسيلة للتأثير على النقاشات العامة والسيطرة على الفكر السياسي في المجتمع.
ويرى ويليك أن قانون التوعية بمعاداة السامية يرتبط بمحاولة توسيع تعريف معاداة السامية ليشمل معاداة الصهيونية، ووفقاً لهذا التشريع، قد يُعتبر أي نشاط معارض لإسرائيل في الجامعات تمييزًا ضد الطلاب اليهود.
ويثير هذا التوسع في التعريف مخاوف بشأن تأثيره على حرية التعبير في المؤسسات التعليمية، ففي حال إقرار القانون، ستواجه الجامعات ضغوطًا أكبر من أجل قمع أي نشاط يتعارض مع السياسات الأمريكية بشأن إسرائيل، تفاديًا للتحقيقات المتعلقة بالحقوق المدنية.
حرية التعبير أم فرض قيود؟
تثير هذه التعديلات تساؤلات حول التمييز بين الأفعال السياسية ووجهات النظر الشخصية، فقد يُعرَف النشاط المناهض لإسرائيل في الحرم الجامعي على أنه تمييز ضد الطلاب اليهود، في مثل هذه الحالة، لا يتم التركيز على الفعل نفسه بقدر ما يُنظر إلى الاعتقاد الشخصي الذي يقف وراءه.
وقد تَعتبر الحكومة الفيدرالية أن النشاط المعارض لإسرائيل يشكل تهديدًا لحقوق اليهود، إلا أن الانتقادات تركز على تأثير هذا القانون في حرية النقاشات السياسية والفكرية.
وتحذّر بعض الأصوات الفكرية من عواقب هذا النوع من التشريع، إذ يؤثر على المساحة الخاصة للفكر السياسي والاجتماعي في المجتمع.
وعلى سبيل المثال، يعتبر المفكر اليهودي ليو شتراوس أن أي محاولة للحد من "التمييز" قد تؤدي إلى تقويض المجتمع الليبرالي نفسه، الذي يعتمد على حرية الفكر والنقاش.
ويتزايد اليوم هذا التحذير من تداعيات تدخل الدولة في قضايا الفكر في ضوء محاولات الحكومة الفيدرالية تعزيز سلطاتها على المؤسسات الأكاديمية في قضايا مثل معاداة السامية.
الهجوم على الجامعات
في الآونة الأخيرة، استهدفت إدارة ترامب عدداً من الجامعات الأمريكية الكبرى، بما في ذلك جامعة هارفارد، بحجة أن النشاطات المناهضة لإسرائيل في الحرم الجامعي تتعارض مع قوانين حقوق الإنسان.
وحاولت الإدارة استخدام قوانين الحقوق المدنية في محاربة ما اعتبرته معاداة للسامية، وهو ما دفع جامعة هارفارد إلى رفع دعوى قضائية ضد الحكومة للدفاع عن استقلالها الأكاديمي.
ويتزايد الضغط على الجامعات لحظر النشاطات السياسية التي قد تصنف على أنها معادية لإسرائيل، مما يثير القلق حول حرية الأكاديميين والطلاب في التعبير عن آرائهم.
ومن خلال هذا التدخل المتزايد في الشؤون الجامعية والسياسية، يبدو أن الحكومة تسعى إلى فرض قيود على النقاش العام الذي أصبح أكثر استقطابًا في الآونة الأخيرة.
ويُظهر الباحثون مثل جاكوب ميلر، الطالب في جامعة هارفارد، أن التركيز المفرط على تصنيف الآراء السياسية كـ "تمييز" يعوق النقاش الجاد ويدفع الأفراد إلى الإذعان لمعايير اجتماعية صارمة تتعلق بما يُعتبر "صحيحًا" أو "خاطئًا" في السياسة.
وفي هذا السياق، يُصبح من الصعب تبني آراء مناقضة للتيارات السائدة دون الوقوع تحت طائلة التهم بالتطرف أو التمييز.
محاولة فرض الأيديولوجيات
تشير هذه التطورات إلى أن إدارة ترامب تحاول استغلال قوانين الحقوق المدنية بشكل يوجهها ضد الفئات اليسارية في المجتمع، بدلاً من استخدامها لحماية حقوق الأقليات.
ويستند هذا الاتجاه إلى الاستفادة من تشريعات مكافحة التمييز لممارسة ضغوط على المؤسسات الأكاديمية والسياسية لتوجيه النقاشات في اتجاهات معينة.
يُظهر هذا القانون الجديد كيفية استغلال تشريعات الحقوق المدنية لأغراض سياسية، وهو أمر قد يهدد جوهر الحريات الأساسية في المجتمع الأمريكي.
ينبغي عدم النظر فقط إلى قوانين مكافحة التمييز، بل أيضًا إلى الاتجاهات الأوسع في النظام القانوني الفيدرالي.
ويشير الباحث القانوني روبرت لايدر إلى أن القانون الجنائي الفيدرالي يتجه بشكل متزايد إلى محاكمة الأفعال بناءً على دوافع الجاني، وليس على أساس الفعل ذاته، هذا التوجه يتعارض مع المبادئ الأساسية للعدالة، حيث قد يصبح الفعل القانوني غير مشروع بناءً على نوايا الفرد وليس طبيعة الفعل نفسه، مما يهدد بالمساس بالحرية السياسية في البلاد.
العودة إلى المبادئ الأساسية
على الرغم من أن بعض القوانين قد تهدف إلى حماية حقوق الأقليات، فإن توسيع نطاق استخدامها قد يؤدي إلى التعدي على الحريات الأساسية.
ويرى ويليك أنه يجب أن نكون حذرين من تغليب مصلحة مكافحة التمييز على المبادئ الأساسية للحرية السياسية والتعبير، مع مراعاة الآثار السلبية لهذه السياسات على النقاش العام في المجتمع.